يعد التعلق العاطفي من الظواهر النفسية التي قد تبدو في ظاهرها دليلاً على الحب أو الولاء، غير أنها في حقيقتها قد تكون سجنًا داخليًا يكبل صاحبه ويعيقه عن ممارسة حياته بحرية وتوازن ما لم يجد له علاج ناجع. فالتعلق العاطفي الزائد لا يقتصر على العلاقات العاطفية فحسب، بل قد يمتد إلى الأصدقاء، أو الأهل، أو حتى أماكن وأفكار معينة، مما يفضي إلى حالة من الاعتمادية النفسية التي تضعف استقلالية الفرد وتهدد سلامه الداخلي. فما هو التعلق العاطفي؟ وكيف يمكن التحرر منه بطريقة صحية ومتزنة؟
ما هو التعلق العاطفي؟
التعلق العاطفي هو ارتباط نفسي قوي يتجاوز حدود الارتباط الطبيعي، ويحتاج إلى علاج. حيث يصبح الشخص غير قادر على تخيل حياته دون وجود الطرف الآخر، ويشعر بالقلق أو الفراغ عند غيابه. وغالبًا ما يكون التعلق نابعًا من احتياجات لم تُشبَع في مراحل مبكرة من الطفولة، أو من انعدام الأمان الداخلي.
كما قد يظهر التعلق في صورة غيرة مفرطة، أو خوف من الفقد، أو سعي دائم للحصول على رضا الطرف الآخر، أو حتى في التنازل عن المبادئ الشخصية لإرضائه. ومع مرور الوقت، يصبح هذا النمط العاطفي عبئًا ثقيلًا ينعكس على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية.

ما هي أسبابه؟
قبل البحث عن علاج للتعلق العاطفي، ينبغي معرفة أسبابه أولا:
- الفراغ الداخلي: عندما يفتقر الإنسان إلى الشعور بالقيمة الذاتية، يبحث عنها في الآخرين.
- تجارب الطفولة: تعرض الطفل للإهمال أو الرفض من والديه يخلق لديه رغبة دفينة في البحث عن الحب غير المشروط. مما يجعله فريسة سهلة للتعلق المرضي بالآخرين.
- انخفاض الثقة بالنفس: فيشعر الشخص أنه غير مكتمل إلا بوجود طرف آخر يدعمه.
- الخوف من الوحدة: هذا الشعور قد يدفع البعض إلى التمسّك بالعلاقات حتى وإن كانت سامة.
كيف يمكن علاج التعلق العاطفي؟
1- الوعي بالمشكلة
الخطوة الأولى هي الاعتراف بوجود نمط تعلّق غير صحي. الوعي يُحرر، ويمنح الشخص فرصة للتأمّل في سلوكياته وعلاقاته.

2- بناء العلاقات مع الذات
تعزيز العلاقة بالنفس هو الأساس. يجب على الفرد أن يسأل نفسه: “من أنا بدون الآخرين؟” ويعيد اكتشاف نفسه وقدراته الحقيقية. ممارسة التأمل، وكتابة اليوميات، وتحديد نقاط القوة والاهتمامات، جميعها أدوات فعالة لإعادة اكتشاف الذات.
3- العلاح النفسي للتعلق العاطفي
قد تكون مشكلة التعلق متفاقمة إلى حد يحتاج إلى تدخل المختصين. يساعد العلاج المعرفي السلوكي (CBT) في تحديد الأفكار السلبية المرتبطة بالتعلق وتصحيحها. كما تعد جلسات العلاج مع مختص نفسي فرصة لفهم الجذور العميقة للتعلق والعمل على تجاوزها.
4- وسع دائرة علاقاتك
من المفيد ألا تقتصر الحياة الاجتماعية على شخص واحد. التفاعل مع الأصدقاء والعائلة، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية، يقلل من التمركز العاطفي حول شخص واحد فقط.

5- الاستقلال العاطفي لعلاج التعلق
الاستقلال العاطفي يعني القدرة على منح الحب دون أن يتحول إلى حاجة أو اعتماد. فالهدف هو أن نحب الآخرين من مساحة اكتفاء، لا من مساحة نقص. إذا كانت لديك مشاعر صحية تجاه الآخرين، فإن العلاقة تكون متوازنة دون أن يكون أحد الطرفين معتمدًا على الآخر بشكل مرضي.
6- تقبل مشاعر الفقد
غالبًا ما يصاحب فك التعلّق شعور بالحزن أو الحنين. من المهم عدم الهروب من هذه المشاعر، بل مواجهتها والتعامل معها كجزء طبيعي من رحلة الشفاء. خوفك من التعامل مع مشاعر الفقد يؤخر تعافيك من التعلق. بينما عندما تبدأ في التعامل مع هذه المشاعر يغدو الوضع أفضل شيئًا فشيئًا.
علاج التعلق العاطفي لا يعني البرود أو الانفصال عن الآخرين، بل يعني بناء علاقات صحية قائمة على الحب المتبادل لا على الحاجة. هو دعوة لاكتشاف الذات وتعلّم الاكتفاء الداخلي، لأن أجمل العلاقات هي تلك التي تنشأ بين شخصين مكتملين، لا نصفين يبحثان عن الآخر.